الحقيبة المدرسية ومعاناة أطفالنا

لاشكّ أنّنا نفرح عندما نشاهد أطفالنا يضعون حقائبهم المدرسيّة على ظهورهم ويتّجهون إلى مدارسهم فنراهم في الصّباح الباكر يغدون إلى المدارس ...... إ نّه منظرٌ مألوفٌ يبعث الرّاحة والسّرور في النّفوس والأمل والتّفاؤل بمستقبلٍ مشرق , ولكنّ هذا المشهد الجميل سرعان ما يبعث المخاوف في نفوس الأهل عندما يتعرّفون مخاطر الحقيبة المدرسيّة وثقل وزنها على العمود الفقري للطّفل , فقد ذكرت دراسة نشرت في فيينّا أنّ أمراضاً وتشوّهات في العمود الفقري والمفاصل قد ظهرت بين طلبة المدارس نتيجةً لعدد الكتب والكرّاسات التي يحملونها من وإلىالمدرسة , وأحصت الدّراسة مجموع ما يحمله الطّفل النّمساوي سنويّاً من الكتب والدّفاتر بما يعادل ( 2 و3 ) أطنان , وقد طالب بعض التربويون المعلمين والمعلمات بتقليل طلباتهم عن الطّالب , وتقليل عدد الكتب التي يحملها الطّالب بحيث لا يزيد وزنها عمّا يتراوح بين 10 و12 % من وزن الطّفل.
إ نّ الحقيبة المدرسيّة مع محتوياتها تزن ما بين 25 و40 % تقريباً من وزن الطّفل الذي لم يشتدّ عوده بعد لحمل مثل هذا الثّقل ممّا أثار انتباه الأطبّاء وخوفهم على جيل الغد المعرّض للعديد من الأمراض, الأمر الذي يؤدّي إلى تخلّف الأطفال عن مدارسهم سواءً لضرورة تقديم العناية والمعالجة الصّحيّة لهم أو بسبب ملل الأطفال أنفسهم وتعبهم من حمل تلك الأثقال الإلزاميّة .
مضار الحقيبة المدرسيّة :
يرى الأطبّاء أ نّ حمل ثقل زائد في الحقيبة المدرسية يعرضّ الأطفال لآلام في الرّقبة والذّراعين والكتفين والظّهر وحتّى القدمين . وقد تسبّب أحياناً ضغطاً على القلب والرّئتين نتيجة تشوّه الهيكل العظمي والعمود الفقري الذي يصبح على شكل حرف C ممّا يستلزم عملاً جراحيّاً ولذلك يحذّر الأطبّاء من حمل الأطفال لتلك الحقائب الثقيلة خاصّةً على أحد الكتفين , إذ إ نّ احتمال إصابتهم بأمراض الظّهر حينها 30 % في حين أ نّ الاحتمال يتناقص إلى 7 % فقط في حال حملها على كلا الكتفين .كما أ نّ حمل الحقيبة على كتفٍ واحدة يسبّب انحناءً جانبيّاً وقد يؤدّي إلى سير الطفل بطريقةٍ غير طبيعيّة ومختلّة .
ومن نتائج الثّقل الزّائد في الحقيبة المدرسيّة أنّه يؤدّي إلى استدارة الظّهر إلى الأمام أو تحدّبه ممّايؤثّر على شكل الجسم بصورةٍ عامّة وعلى العظام والجملة الحركيّة بصورةٍ خاصّة .وما يزيد من رعب الأطبّاء والأهل هو أ نّ مضاعفات المرض قد لا تظهر بشكلٍ آني في مرحلة الطّفولة وإنّما قد تتطوّر مع مرور الأيّام لتظهر في المستقبل على شكل تحدّب في الظّهر أو ( الجنف ) وهو الميل بالجسم نحو أحد الجانبين .
الوقاية .. دور الأهل والمدرسة :
الأسلوب المجدي للوقاية من مثل هذه الإصابات يتمثّل أوّلاً في عدم حمل الطّفل حقيبةً مدرسيّةً ثقيلة خاصّةً في سنواته الدّراسيّة الأولى , ويكفي جدّاً ثلاثة أو أربعة كتب , وثانياً ضرورة تعويد الطّفل علىحمل الحقيبة بطريقةٍ صحيحة بحيث لا يستسلم لثقل الحقيبة ويميل بجسمه معها بل يحاول دائماً أ ن يحافظ على توازن واستقامة عموده الفقري .
ويؤكّد الأطبّاء على أ نّ أفضل طريقة لحمل الحقيبة المدرسيّة هي حملها على الظّهر وليس على أحد الجانبين , ولاكتشاف أي تشوّهات في العمود الفقري تنصح كل أم بملاحظة مستوى كتفي طفلها فإذا وجدت اختلافاً في مستواهما أو ميلٍ في الرّقبة أو عدم اتّزان أثناء المشي أو ظهور تقوّس لأحد الجانبين في الظّهر , عليها استشارة الطّبيب فوراً فالحقيقة الطبيّة تقول أ نّ أكثر أنواع اعوجاج الظّهر والعمود الفقري شيوعاً ينجم عن حمل الأشياء الثّقيلة على أحد الجانبين وإذا تمّ تلافي أسبابه في بداية الطفولة يصبح علاجه سهلاً عن طريق تمرينات للظّهر واستعمال ألأحزمة الخاصّة بالفقرات , لهذا فإنّه بشيءٍ من حسن التّصرّف والملاحظة الدّقيقة من الأم لأولادها نتجنّب مثل هذه المشاكل .كما يتجسّد دور الأهل في عمليّة توعية الأطفال وتنبيههم لعدم التّفاخر بعدد الكتب والحاجيات التي يحملونها .
أمّا المدرسة فيمكنها تقديم العون الأكبر لهؤلاء التّلاميذ الصّغار , فإمّا أ ن تنسّق بين التّلاميذ بحيث يحمل كل تلميذ كتاب مادّة معيّنة والآخر كتاباً لمادّة ثانية , أو أن تؤمّن قاعة مكتبيّة تحوي كتب المنهاج الدّراسي فتوزّع على كل مجموعة من التّلاميذ نسخةً من الكتب المقرّرة يستعملونها في المدرسة فيما يتركون كتبهم في المنزل ويتابعون منها تحضير دروسهم وحفظها وكتابة واجباتهم دونالحاجة إلى حملها يوميّاً من المدرسة وإليها .
كما يمكن للمدرسة كحلٍ آخر كي لا تسبّب تنازعاً بين التّلاميذ على نسخة الكتاب الواحدة: أن تخصّص كل تلميذ بنسختين من كل كتاب يستعمل إحداها في المنزل والأخرى في المدرسة الّتي يمكن أن تؤمّن أدراجاً خاصّة أو خزانةً صغيرة لكل ّطفل يضع فيها نسخة كتبه المدرسيّة إضافةً إلى حاجيّاته الّتي يأتي بها من المنزل ويحملها مع حقيبته , إذ يحمل في أحيان كثيرة مستلزمات حصص الرّياضة والرسم ممّا يزيد الأمر سوءاً , ولذلك قامت بعض الدّول بإلزام المدارس بإجراءات مماثلة كما قامت بسنّ قوانين لحماية الأطفال بحيث لا تسمح أن يحمل الطّفل ثقلاً يزيد على 10% من وزنه , فمثلاً تحظر هذه القوانين حمل الفتيات تحت سن ( 16 ) سنة أكثر من وزن ( 5 كغ )في حقيبة المدرسة .
مقترحات لحل المشكلة:
لتجنّب الآثار والنّتائج السّلبيّة للحقيبة المدرسيّة ينصح التربويّون والأطبّاء بما يلي :
1 – أن يحمل التّلميذ إلى المدرسة الكتب المقرّرة في يوم الدّوام ( أي الكتب التي يحتاجها فقط ) .
2 – أن يحمل حقيبة تتناسب مع حجمه ووزنه و أن ينقل الحقيبة أثناء سيره من يده اليمنى لفترة إلى يده اليسرى لفترةٍ أخرى , ثمّ يحملها على ظهره لفترةٍ ثالثة وذلك للحفاظ على تناسق الجسم وتوازنه.
3 – عمل تمرينات لجميع أعضاء الجسد ولمدّة ( 20 ) دقيقة من جلوسٍ على مقعد وسند الظّهر إلى الوقوف وثني اليدين على الصّدر , وأيضاً وقوف وتشبيك الأيدي خلف الظّهر والتّعلّق على الحائط مع سند الظّهر وبالتّالي الوقوف مع فتح الذّراعين وميل الجذع للأمام مع شدّ عضلات الجسم بأكملها للأمام والثّبات .
ختاماً :
علينا أن نعمل على زيادة وعي أطفالنا للمحافظة على صحّتهم وأن نرشدهم إلى العادات الصّحيّة السّليمة سواءً في حمل الحقائب أو كيفيّة الجلوس الصّحي في المدرسة لنبعد عنهم شبح الأمراض , ثمّ نشجّع بدورنا الإجراءات الإيجابيّة للعناية بالأطفال ونهتم بتلك البحوث والدّراسات المختصّة بأمراضهم وحالتهم الصّحيّة لنكون مطمئنّين على جيل المستقبل فهؤلاء الأطفال أمانةٌ في أعناقنا وقد كلّفنا الله سبحانه وتعالى بصون تلك الأمانة واعتبرنا مسؤولون عنهم بتنشئتهم على أتمّ وجه وفي كافّة المجالات الأخلاقيّة والتّعليميّة والصّحيّة والدّينيّة .
منقول عن : مرئيات حول:
( الحقيبة المدرسية ومعاناة أطفالنا )
إعداد: د. صالح عبدالله العبدالكريم